مافيا الاستيراد تهدد بانهيار زراعة قصب السكر
مافيا الاستيراد تهدد بانهيار زراعة قصب السكر.. 10 مليارات جنيه خسائر "مخزون" السكر.. و"التموين" تستورد الخام..
مديونية مزارعي قصب السكر بـلغت مليارا و200 مليون لبنك التنمية
هامش ربح الفلاح 2000 جنيه فقط طوال العام.. و311 ألف فدان مهددة بالبوار.. والسبب الاستيراد ومصالح كبار المستوردين
المصانع تخصم 200 كيلو من كل لورى قصب بحجة شوائب معمل.. ومليون فلاح معرضون للتهميش والفقر.. و27 ألف عامل في الشارع
بطوله الممشوق ووجهه الداكن وجبهته العريضة، يطل الفلاح الصعيدي حاملًا فأسه، سلاحه ومدفعه، الذي يشق به الحياة، كان الأمل طريقه، والبسمة ترصع وجهه.. كل هذا اختفى الآن، بعدما صارت زراعة قصب السكر «الزراعة الاستراتيجية في محافظات الصعيد» تواجه أزمات محدقة تهدد قرابة المليون و200 ألف فلاح، فضلًا عن تشريد 27 ألفا يعملون في مصانع السكر بالصعيد، والأهم انهيار أهم الزراعات التي تقوم عليها إحدى الصناعات الاستراتيجية.
أما السبب في تلك المخاوف فهو أن وزارة التموين تورطت في السماح لكبار المستوردين بإغراق الأسواق بالسكر المستورد، حيث قامت شركات «النوران، البيان، ويكالست وكارجيل الأمريكية» باستيراد 750 ألف طن سكر خام.
الخطورة في استيراد السكر الخام ليست فقط في تكريره داخل المصانع المصرية، فهى تحصل على عائدات مالية، إنما في أن يصبح نشاطها الوحيد العمل لصالح الغير، وفى هذا السياق، يقول أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية: إن الوزارة بدأت بالفعل في صرف السكر المستورد على بطاقات التموين بسعر أقل من السكر المحلى، مما تسبب في خسارة قدرها 10 مليارات جنيه.
صناعة السكر من أهم الصناعات الإستراتيجية في مصر وفى العالم، ويعد القصب هو المحصول الرئيسى، وتنتج مصر ما يزيد على مليون طن سنويا تمثل نحو ٥٢٪ من إجمالى إنتاجه، وتحتل مصر مصر المرتبة الأولى عالميا في متوسط إنتاجية الفدان قرابة ٤٩،٥ طن للفدان.
تلك الزراعة الإستراتيجية، وما يترتب عليها من صناعات حيوية تتعرض لأزمة، يمكن أن تصل بها إلى حافة الانهيار التام، فحجم إنتاج شركة السكر يبلغ مليون و١٠٠ ألف طن سنويا، والاستهلاك المصرى يقدر بمليون و٨٠٠ ألف طن، وعلى هذا فلا يحتاج السوق إلا لـ٧٥٠ طنا فقط، حيث يبلغ استهلاك الفرد من السكر نحو ٤٣ كجم سنويا.
٣١١ ألف فدان تتم زراعتها في محافظات الإنتاج الرئيسية «قنا، سوهاج، أسوان، الأقصر، المنيا»، ويدخل في إنتاج السكر ما يقرب من ٢٤٠ إلى ٢٥٠ ألف فدان.
أزمات المزارعين.. وارتفاع الأسعار المحلية
تتمركز زراعة قصب السكر في صعيد مصر، حيث تتناسب طبيعة البيئة هناك مع زراعة هذا المحصول، لما يحتاجه من كميات مياه كبيرة، وبرغم إعلان الدولة عن رفع سعر التعاقد لشراء قصب السكر هذا العام بسعر ٣٩٨،٧٥ جنيه للطن بدلا من ٣٦٠ في العام الماضى، إلا أن تلك الزيادة لا تؤدى إلى تحقيق ربحية حقيقية للمزارع، وبحساب قيمة تكلفة الزراعة التي تشمل التقاوي والأسمدة وعمال الزراعة والحصاد والنقل التي يتحملها المزارع، وهى تبلغ ١٥ ألف جنيه للفدان الواحد، فإن العائد يصبح غير مقبول، لأن إنتاجية الفدان تتراوح ما بين «٤٥: ٥٠» طنا فقط حسب التقاوى، وبحساب قيمة سعر بيع محصول الفدان بحسب الزيادة التي أقرتها الدولة هذا العام، يتضح أن السعر سوف يصل إلى ١٧٩٤٦ جنيها في أفضل إنتاجية للفدان، بمعنى أن هامش الربح الذي يحصل عليه الفلاح هو ٢٩٤٦ جنيها للفدان، بما يعادل ١٧٪ من قيمة سعره، ومع طبيعة زراعة قصب السكر الذي يمتاز بالأمد الطويل، حيث تبلغ دورة زراعته ٤ أعوام متواصلة، ويتم الحصاد مرة واحدة في العام، وهذا يعنى أن هامش الربح الذي يحققه الفدان للفلاح لا يكفى للعيش على حد الكفاف، وبرغم انخفاض تكلفة زراعة الفدان في العام التالى إلى ١٠ آلاف جنيه، إلا أنه يوازى ذلك انخفاضا في قيمة الإنتاجية، ليصل هامش الربح في العام الثانى والثالث إلى ٢٠٪، وينخفض في نهاية موسم الزراعة في العام الرابع إلى ما يقرب من ١٠٪، والذي يزيد من الأمر تعقيدا هو طبيعة التعاقد الذي حددته الدولة هذا العام، حيث تتحمل شركة السكر للصناعات التكاملية ما يقرب من ٣٠٠ جنيه من سعر طن القصب، بينما تتحمل وزارة المالية ١٠٠ جنيه، ونتيجة تكدس منتج السكر في مخازن الشركة لم تستطع الشركة تسديد قيمة محصول عصر القصب هذا العام، والذي يبدأ في منتصف شهر ديسمبر وينتهى مع بداية مايو، فلم تسدد الشركة سوى ٥٠٪ من قيمة المحصول لتصل قيمة مديونية الدولة لصغار الفلاحين مليار و٢٠٠ مليون جنيه عن العام الحالى، وهو الأمر الذي يزيد من حدة أزمة مزارعى قصب السكر وسط استغلال التجار المسئولين عن شراء باقى محصول القصب من الفلاح، بعد أن تحصل الشركة احتياجها من قصب السكر، ليذهب الباقى إلى صناعة العسل الأسود وعصارات القصب بالمحافظات المختلفة.
كما أن جزءا من أزمة ارتفاع تكلفة صناعة السكر تكمن في طبيعة ملكية الأراضى الزراعية في مصر، والتي هي بحق تعبر عن تمركز الملكية الزراعية لصغار الفلاحين، فالفلاحون الذين يملكون فدانا فأقل يشكلون نحو ٥٦.٩٪ من عدد الحيازات الزراعية، وحصتهم من الأرض نحو ١٤.٨٪. أما مجموع من يملكون خمسة أفدنة فأقل، فيبلغ نحو ٤ ملايين حائز يشكلون ٩١٪ من مجموع عدد الحيازات، ويملكون ٥٢.٢٪ من الأراضى الزراعية في مصر، ويشكل من يملكون عشرة أفدنة فأقل نحو ٩٤.٨٪ من عدد الملاك الزراعيين في مصر، وحصتهم من إجمالى الأراضى الزراعية تبلغ نحو ٦٢.٨٪، بحسب مجدى عبد الفتاح، مدير المركز العربى للدراسات الإستراتيجية.
معاناة الفلاحين.. ومديونيات البنك الزراعى
تبدأ زراعة محصول القصب في صعيد مصر بدءا من المراكز الجنوبية لمحافظة المنيا وحتى أسوان، وتبلغ المساحة الكلية المنزرعة بمحصول القصب ٢٧٥،٠٠٠ فدان، وما يتم توريده للشركة لصناعة السكر مساحة ٢٣٥،٠٠٠ فدان، وتبلغ كمية المياه المستخدمة في رى فدان القصب ٨٢٣٢.٥ م٣، وذلك طبقا لتقديرات معهد بحوث الزراعة الآلية، ومجلس المحاصيل السكرية، ومحطة أبحاث القصب بشركة السكر والصناعات التكاملية المصرية بكوم أمبو.
يستمر محصول القصب في الأرض مدة ١٢ شهرا، كما أن القصب يظل على الأرض فترة من ٣-٤ شهور من تاريخ كسره، ويتم «فطام» محصول قصب السكر مرتين في السنة، بواقع ٤٥ يوما قبل الكسر، و٤٥ يوما بعد الكسر، أي لا يتم ريه لمدة تسعين يوما خلال السنة، ويعطى فدان القصب في المتوسط ٤.٥ طن سكر، ونحو ٢ طن مولاس «مصاصة قصب»، ونحو ١٧ طنا عليقة خضراء، ممثله في القمة النامية «القالوح»، والتي تستخدم كغذاء للماشية، كما لا يحتاج محصول القصب في تصنيعه وإنتاج السكر منه إلى طاقة خارجية إلا بنسبة ضئيلة جدا، لا تتعدى ١٠٪ من احتياجات كامل الطاقة اللازمة للصناعة أو كمادة خام لتصنيع الورق والأخشاب.
وقد وصف الحاج إبراهيم ربيع، رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا، محصول قصب السكر بالاستراتيجي، لأنه عصب صناعة السكر في مصر، ويعمل به أكثر من مليون فلاح.
وأضاف، أن الفلاحين يعانون من جملة من المشاكل، يأتى على رأسها توريد محصول القصب إلى شركة السكر، فقبل عام كان يحصل الفلاح على نسبة ٩٥٪ من ثمن محصوله، ولكن بعد زيادة سعر المحصول بمبلغ ٤٠ جنيها، لم يعد يحصل الفلاح إلا على ٥٠٪ من ثمن محصوله –إذا ورد الفلاح للشركة محصولا بـ١٠٠ ألف جنيه، لا يحصل إلا على ٥٠ ألفا من مستحقاته- فالفلاحون لديهم مديونيات على الشركة بنحو ١،٣ مليار جنيه، ولكن هذه ليست مسئولية الشركة وحدها، ولكنها مسئولية وزارة المالية، لأنها تتأخر في صرف الشيكات المستحقة، وخلال العام الماضى والحالى تكدس منتج السكر في مخازن الشركة مما ينذر بكارثة.
ليس هذا فقط.. ولكن يواجه الفلاحون مشاكل في نقل وتوريد القصب، فالشركة لديها طريق «سكك حديدية» خاص بها، حيث يتم جمع المحصول وتعبئته في عربات القطار، ولكن ليست كل الحقول على مقربة من شريط السكك الحديدية، لذا فالحقول التي تبعد عن السكك الحديدية أكثر من ٢ كيلو متر تحصل على «ناولون» مستحقات نقل، ولكن الحقول أقل من ٢ كيلو متر لا تحصل على مستحقات نقل، لذا يضطر أصحابها إلى نقلها عن طريق «كارتات صغيرة تجرها الجرارات أو تجرها الحمير، وأحيانا الجمال»، بحسب رئيس اتحاد الفلاحين.
كما يعانى الفلاحون من الميزان، لأن هناك فروقا في الوزن بين ميزان الشركة -«وهو عبارة ميزان ضخم يدخل فيه اللورى ويتم وزنه، ثم يتم إدخال كارت مطبوع في جهاز كمبيوتر برقم اللورى»، وعن طريقها يخرج وزن السيارة- وميزان بسكول، بسبب وزن اللورى نفسه الذي في أحيان كثيرة لا يعرف الفلاحون وزنه بالضبط، فضلا عن أن خصم نحو ٢٠٠ كيلو من اللورى بحجة وجود بول في القصب «نقص السكر في القصب» أو إذا كان هناك قش القصب بحسب إبراهيم ربيع.
أما ديون بنك التنمية والائتمان الزراعى على الفلاحين، فهى هم بالليل ومذلة بالنهار، فقد بلغت ديون مزارعى القصب نحو مليار و٣٠٠ مليون جنيه، فالبنك يقرض الفلاحين نوعين من القروض، الأول قرض زراعى بفائدة ٧٪، والثانى استثمارى بفائدة ٢٠٪، وهذا مرهق جدا للفلاحين، وكل ما تروجه الحكومة حول إلغاء مديونيات الفلاحين ليس له أساس، ذلك لأن الحكومة تطلب من الفلاحين التسديد الفورى من أجل إلغاء الفوائد فقط، وبطبيعة الحال إذا كانت الشركة عاجزة عن سداد مستحقات الفلاحين، فهم لن يستطيعوا تسديد مديونياتهم.
وطالب إبراهيم عطا الله، مزارع من محافظة قنا، بتحرير منظومة السماد الكيماوى، وإعادة إحياء الدورة الزراعية من أجل القضاء على الفساد الموجود في الجمعيات الزراعية، حيث إنه بحسب ما هو منصوص عليه يحصل فدان القصب على ١٢ شيكارة سماد، ولكن لعدم وجود حصر بزراعات القصب، فهناك الكثيرون الذين يسجلون زراعتهم على أنها قصب ليحصلوا على السماد بسبب شبهة فساد، إما في الجمعية الزراعية أو لعدم وجود حصر، أيضا هناك توصية من وزارة الزراعة بخفض ما يحصل عليه فدان القصب إلى ٦ شيكارات يوريا أو ٨ شيكارات أزوت.
وزارة التموين تهدم الشركة الأولى في صناعة السكر
منذ أن بدأت مصر في صناعة السكر بالعصر الحديث، أنشأت شركة السكر والصناعات التكامليـــة المصرية في ٣ مايو ١٩٥٦ بمقتضى القانون رقم ١٩٦ لسنة ١٩٥٦، وهى شركة مساهمة مصرية تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية خاضعة لأحكام القانون رقم ٢٠٣ لسنة ٩١ كل أنواع السكر المبلور، والمولاس، والعسل الصناعى الكحول بجميع مشتقاته، والخل، وحامض الخليك الثلجى، وخميرة الأعلاف، وغاز ثانى أكسيد الكربون، والفيناس المذيبات العضوية، والمواد اللاصقة، وكبريتات الصوديوم، وخميرة الخبز الطازجة والجافة، والعطور ومستحضرات التجميل والزيوت والعجائن العطرية، ومكسبات الطعم والرائحة، والخشب الصناعى بأنواعه المختلفة، والمعدات الرأسمالية، وقطع غيارها، وأعمال الهندسة للمشروعات وإدارتها، والإشراف على تنفيذ مقاولات إنشاء مصانع السكر والصناعات الأخرى محليًا وعالميًا، والحلوى والبسكويت والطحينة والحلاوة الطحينية، والعجائن الغذائية، والمربات والعصائر، وأعمال الطباعة، وإنتاج مخصبات زراعية، وأسمدة كيماوية، ومخصبات ورقية، وإنتاج علف حيوانى تمتلك ٦ مصانع رئيسية بصعيد مصر في نجع حمادى، ودشنا، وقوص، وإدفو، وأرمنت، وكوم أمبو، يعمل بها ما يقرب من ٢٧ ألف عامل ما بين عمالة رئيسية، وعمال معاونة، وعمالة غير منتظمة، يتم توريدها لمصانع عبر وكلاء، وتنتج الشركة ما بين مليون إلى مليون ونصف المليون طن سنويا من قصب السكر، ويتطلب هذا الإنتاج استخدام ما بين ٢٤٠ – ٢٥٠ ألف فدان من قصب السكر.
وخلال العام الماضى بمقتضى قانون أصدره رئيس الوزراء إبراهيم محلب، تم نقل تبعية الشركة من وزارة الاستثمار إلى وزارة التموين، وعلى هذا تحتكر الأخيرة كل إنتاج الشركة من السكر لتوفير استهلاك المواطنين عبر البطاقات التموينية، إلا أن وزارة التموين منذ تغير نظم التموين، بدءًا من هذا العام، لم تستخدم منتج الشركة من السكر بسبب تنافس السكر المستورد للسكر المحلى، بسبب رخص ثمنه، فيبلغ سعر طن السكر المستورد ٣٨٠٠ جنيه مصرى، بينما يبلغ طن السكر المصرى ٤٢٠٠ جنيه خام، والمفارقة الأكبر في أنه يتم استيراد السكر الخام من الخارج ليتم تكريره في مصانع الشركة قبل طرحه في الأسواق المحلية، بحسب ممدوح البر ديسى، ومجدى عبد الفتاح.
وقال محمد عبد الرحمن، رئيس النقابة العامة لشركات الصناعات التكاملية: إنه منذ انضمام الشركة لوزارة التموين، وهى تعانى من المشاكل بسبب إغراق الأسواق بالسكر المستورد، وصرفه على بطاقات التموين، فعمدت وزارة التموين إلى خفض سعر المستورد عن سعر السكر المحلى بمبلغ ٠،٦٥ قرش، ليصبح سعره ٥،٦٥ قرش، متعللة بأن بورصة السكر العالمى منخفضة، وذلك كله يؤدى لدمار صناعة الكسر المحلى في مصر، وسعر السكر المحلى أغلى بسبب سعر حصول شركة السكر على محصول القصب من المزارعين بسعر أغلى من السعر العالمي، فسعر طن القصب العالمى يوازى نحو ٢٠٠ جنيه، ولكن ذلك بسبب أن مزارع قصب السكر سواء في البرازيل أو الهند تابعة للدولة، ولكن في مصر تابعة لمزارعين، وقد قامت الحكومة بتحميل شركة السكر مبلغ ٣٠٠ جنيه كسعر للطن، مقابل دعم الشركة بمبلغ ١٠٠ جنيه، فارق سعر تدفعه الدولة للفلاح في الطن، ليصبح سعر الطن ٣٦٥ جنيها.
كما أن تكدس منتج السكر في مخازن الشركة تسبب في عدم حصول العاملين على حقوقهم، فالطاقة الاستيعابية لمخازن الشركة أقل من مليون طن، والشركة تنتج سنويا ما جملته مليون و١٠٠ ألف طن، حيث تحصل الشركة على ٩: ١٠ ملايين طن قصب من المزارعين، وهذه الصناعة مهددة بالانهيار، مما يعنى تشريد أكثر من ٢٧ ألف عامل، ومليون و٢٠٠ ألف فلاح، يعتمدون على زراعة قصب السكر، والذي يزيد من الأمر تعقيدا هو أن هذا العدد الكبير من المواطنين يعيشون بالأساس بصعيد مصر الذي يعانى من الفقر المدقع، مما يجعلهم قنبلة موقوتة من العنف المجتمعى نتيجة انضمامهم إلى صفوف البطالة.
وعن سبب تكدس السكر في المخازن يقول عبد الرحمن: كان هناك اعتراض من قبل شركات النقل بسبب تعرضها للسرقة، ومطالبتها الشركة بتأمين هذه الطرق حتى تستطيع نقل منتجات السكر من الصعيد لمحافظات الوجه البحري، فقد تعرضت أكثر من سيارة للسرقة والنهب بسبب وجود قطاع طرق، خاصة في ضوء الانفلات الأمنى الذي يعم البلاد، وأيضا بسبب وجود ثأر بين عدد من العائلات، مما يدفع بالبعض منها لسرقة محصول الشركة وضياع الأموال على الفلاحين، وهذا يسبب كارثة، نظرا لعدم قدرة مخازن الشركة على تحمل هذا الكم من الإنتاج، وضعف تأمين تلك المخازن، خاصة أنها مخازن مكشوفة لا سقف لها، وذلك يؤدى لتعرض المنتج للأمطار، والحرائق بسبب أن السكر سريع الاشتعال، مما يؤدى لخسارة الشركة ١٠ مليارات جنيه.
ويحذر العمال من انهيار الشركة، فمع بداية الموسم الجديد أجبرت الشركة على السحب من البنوك على المكشوف لسدد جزء من مستحقات الفلاحين، الأمر الذي يهدد الشركة بالانهيار إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ويؤكد عبد الرحمن أنه يجب أن تتبنى الدولة سياسة حماية المنتج الوطنى، لأنه صناعة وطنية قائمة على العمالة المصرية في الصعيد الذي يعانى من عدم توافر فرص العمل، أيضا سعر البورصة العالمية للسكر غير متوقع، فإذا كان هذه الأيام منخفض فمن يضمن ألا يرتفع غدا؟.. كما أن تاريخ إنشاء هذه الشركة يرجع لتاريخ بدء إنشاء قناة السويس، فهى صناعة عريقة ولها تاريخ طويل وقابلة للتطوير، فقط هي تحتاج الدولة من أجل التطوير وتحسين إنتاجها، وطالب رئيس النقابة العامة، بوقف استيراد السكر المستورد، وتشديد الرقابة على المواصفات على السكر المستورد، ذلك بسبب وجود عبوات يقل وزنها عن الكيلو الجرام الواحد، وهذا غش ويسبب خسارة للشركة، ولا وجود للفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ولكنها فجوة وهمية اختلقتها شركات الاستيراد من أجل ضمان مكاسبها. بصوت منكسر، وعيون ذبلت من فرط الألم، يشتكى ممدوح البرديسى، عامل في مصنع نجع حمادى، من عدم قدرة مصنع نجع حمادى على دفع رواتب العاملين، ذلك لأنه لم يستطع أن يبيع أي «شيكارة» سكر من إنتاج هذا العام، بسبب ضم الشركة لوزارة التموين، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه دون مراعاة للصناعات المحلية، فالمخازن مُلئت عن آخرها، حتى أن المخازن لم تعد قادرة على استيعاب الإنتاج.
كل هذا ولا يزال الألم حاكما.. ومستقبل صناعة السكر غامضًا.
مديونية مزارعي قصب السكر بـلغت مليارا و200 مليون لبنك التنمية
هامش ربح الفلاح 2000 جنيه فقط طوال العام.. و311 ألف فدان مهددة بالبوار.. والسبب الاستيراد ومصالح كبار المستوردين
المصانع تخصم 200 كيلو من كل لورى قصب بحجة شوائب معمل.. ومليون فلاح معرضون للتهميش والفقر.. و27 ألف عامل في الشارع
بطوله الممشوق ووجهه الداكن وجبهته العريضة، يطل الفلاح الصعيدي حاملًا فأسه، سلاحه ومدفعه، الذي يشق به الحياة، كان الأمل طريقه، والبسمة ترصع وجهه.. كل هذا اختفى الآن، بعدما صارت زراعة قصب السكر «الزراعة الاستراتيجية في محافظات الصعيد» تواجه أزمات محدقة تهدد قرابة المليون و200 ألف فلاح، فضلًا عن تشريد 27 ألفا يعملون في مصانع السكر بالصعيد، والأهم انهيار أهم الزراعات التي تقوم عليها إحدى الصناعات الاستراتيجية.
أما السبب في تلك المخاوف فهو أن وزارة التموين تورطت في السماح لكبار المستوردين بإغراق الأسواق بالسكر المستورد، حيث قامت شركات «النوران، البيان، ويكالست وكارجيل الأمريكية» باستيراد 750 ألف طن سكر خام.
الخطورة في استيراد السكر الخام ليست فقط في تكريره داخل المصانع المصرية، فهى تحصل على عائدات مالية، إنما في أن يصبح نشاطها الوحيد العمل لصالح الغير، وفى هذا السياق، يقول أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية: إن الوزارة بدأت بالفعل في صرف السكر المستورد على بطاقات التموين بسعر أقل من السكر المحلى، مما تسبب في خسارة قدرها 10 مليارات جنيه.
صناعة السكر من أهم الصناعات الإستراتيجية في مصر وفى العالم، ويعد القصب هو المحصول الرئيسى، وتنتج مصر ما يزيد على مليون طن سنويا تمثل نحو ٥٢٪ من إجمالى إنتاجه، وتحتل مصر مصر المرتبة الأولى عالميا في متوسط إنتاجية الفدان قرابة ٤٩،٥ طن للفدان.
تلك الزراعة الإستراتيجية، وما يترتب عليها من صناعات حيوية تتعرض لأزمة، يمكن أن تصل بها إلى حافة الانهيار التام، فحجم إنتاج شركة السكر يبلغ مليون و١٠٠ ألف طن سنويا، والاستهلاك المصرى يقدر بمليون و٨٠٠ ألف طن، وعلى هذا فلا يحتاج السوق إلا لـ٧٥٠ طنا فقط، حيث يبلغ استهلاك الفرد من السكر نحو ٤٣ كجم سنويا.
٣١١ ألف فدان تتم زراعتها في محافظات الإنتاج الرئيسية «قنا، سوهاج، أسوان، الأقصر، المنيا»، ويدخل في إنتاج السكر ما يقرب من ٢٤٠ إلى ٢٥٠ ألف فدان.
أزمات المزارعين.. وارتفاع الأسعار المحلية
تتمركز زراعة قصب السكر في صعيد مصر، حيث تتناسب طبيعة البيئة هناك مع زراعة هذا المحصول، لما يحتاجه من كميات مياه كبيرة، وبرغم إعلان الدولة عن رفع سعر التعاقد لشراء قصب السكر هذا العام بسعر ٣٩٨،٧٥ جنيه للطن بدلا من ٣٦٠ في العام الماضى، إلا أن تلك الزيادة لا تؤدى إلى تحقيق ربحية حقيقية للمزارع، وبحساب قيمة تكلفة الزراعة التي تشمل التقاوي والأسمدة وعمال الزراعة والحصاد والنقل التي يتحملها المزارع، وهى تبلغ ١٥ ألف جنيه للفدان الواحد، فإن العائد يصبح غير مقبول، لأن إنتاجية الفدان تتراوح ما بين «٤٥: ٥٠» طنا فقط حسب التقاوى، وبحساب قيمة سعر بيع محصول الفدان بحسب الزيادة التي أقرتها الدولة هذا العام، يتضح أن السعر سوف يصل إلى ١٧٩٤٦ جنيها في أفضل إنتاجية للفدان، بمعنى أن هامش الربح الذي يحصل عليه الفلاح هو ٢٩٤٦ جنيها للفدان، بما يعادل ١٧٪ من قيمة سعره، ومع طبيعة زراعة قصب السكر الذي يمتاز بالأمد الطويل، حيث تبلغ دورة زراعته ٤ أعوام متواصلة، ويتم الحصاد مرة واحدة في العام، وهذا يعنى أن هامش الربح الذي يحققه الفدان للفلاح لا يكفى للعيش على حد الكفاف، وبرغم انخفاض تكلفة زراعة الفدان في العام التالى إلى ١٠ آلاف جنيه، إلا أنه يوازى ذلك انخفاضا في قيمة الإنتاجية، ليصل هامش الربح في العام الثانى والثالث إلى ٢٠٪، وينخفض في نهاية موسم الزراعة في العام الرابع إلى ما يقرب من ١٠٪، والذي يزيد من الأمر تعقيدا هو طبيعة التعاقد الذي حددته الدولة هذا العام، حيث تتحمل شركة السكر للصناعات التكاملية ما يقرب من ٣٠٠ جنيه من سعر طن القصب، بينما تتحمل وزارة المالية ١٠٠ جنيه، ونتيجة تكدس منتج السكر في مخازن الشركة لم تستطع الشركة تسديد قيمة محصول عصر القصب هذا العام، والذي يبدأ في منتصف شهر ديسمبر وينتهى مع بداية مايو، فلم تسدد الشركة سوى ٥٠٪ من قيمة المحصول لتصل قيمة مديونية الدولة لصغار الفلاحين مليار و٢٠٠ مليون جنيه عن العام الحالى، وهو الأمر الذي يزيد من حدة أزمة مزارعى قصب السكر وسط استغلال التجار المسئولين عن شراء باقى محصول القصب من الفلاح، بعد أن تحصل الشركة احتياجها من قصب السكر، ليذهب الباقى إلى صناعة العسل الأسود وعصارات القصب بالمحافظات المختلفة.
كما أن جزءا من أزمة ارتفاع تكلفة صناعة السكر تكمن في طبيعة ملكية الأراضى الزراعية في مصر، والتي هي بحق تعبر عن تمركز الملكية الزراعية لصغار الفلاحين، فالفلاحون الذين يملكون فدانا فأقل يشكلون نحو ٥٦.٩٪ من عدد الحيازات الزراعية، وحصتهم من الأرض نحو ١٤.٨٪. أما مجموع من يملكون خمسة أفدنة فأقل، فيبلغ نحو ٤ ملايين حائز يشكلون ٩١٪ من مجموع عدد الحيازات، ويملكون ٥٢.٢٪ من الأراضى الزراعية في مصر، ويشكل من يملكون عشرة أفدنة فأقل نحو ٩٤.٨٪ من عدد الملاك الزراعيين في مصر، وحصتهم من إجمالى الأراضى الزراعية تبلغ نحو ٦٢.٨٪، بحسب مجدى عبد الفتاح، مدير المركز العربى للدراسات الإستراتيجية.
معاناة الفلاحين.. ومديونيات البنك الزراعى
تبدأ زراعة محصول القصب في صعيد مصر بدءا من المراكز الجنوبية لمحافظة المنيا وحتى أسوان، وتبلغ المساحة الكلية المنزرعة بمحصول القصب ٢٧٥،٠٠٠ فدان، وما يتم توريده للشركة لصناعة السكر مساحة ٢٣٥،٠٠٠ فدان، وتبلغ كمية المياه المستخدمة في رى فدان القصب ٨٢٣٢.٥ م٣، وذلك طبقا لتقديرات معهد بحوث الزراعة الآلية، ومجلس المحاصيل السكرية، ومحطة أبحاث القصب بشركة السكر والصناعات التكاملية المصرية بكوم أمبو.
يستمر محصول القصب في الأرض مدة ١٢ شهرا، كما أن القصب يظل على الأرض فترة من ٣-٤ شهور من تاريخ كسره، ويتم «فطام» محصول قصب السكر مرتين في السنة، بواقع ٤٥ يوما قبل الكسر، و٤٥ يوما بعد الكسر، أي لا يتم ريه لمدة تسعين يوما خلال السنة، ويعطى فدان القصب في المتوسط ٤.٥ طن سكر، ونحو ٢ طن مولاس «مصاصة قصب»، ونحو ١٧ طنا عليقة خضراء، ممثله في القمة النامية «القالوح»، والتي تستخدم كغذاء للماشية، كما لا يحتاج محصول القصب في تصنيعه وإنتاج السكر منه إلى طاقة خارجية إلا بنسبة ضئيلة جدا، لا تتعدى ١٠٪ من احتياجات كامل الطاقة اللازمة للصناعة أو كمادة خام لتصنيع الورق والأخشاب.
وقد وصف الحاج إبراهيم ربيع، رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا، محصول قصب السكر بالاستراتيجي، لأنه عصب صناعة السكر في مصر، ويعمل به أكثر من مليون فلاح.
وأضاف، أن الفلاحين يعانون من جملة من المشاكل، يأتى على رأسها توريد محصول القصب إلى شركة السكر، فقبل عام كان يحصل الفلاح على نسبة ٩٥٪ من ثمن محصوله، ولكن بعد زيادة سعر المحصول بمبلغ ٤٠ جنيها، لم يعد يحصل الفلاح إلا على ٥٠٪ من ثمن محصوله –إذا ورد الفلاح للشركة محصولا بـ١٠٠ ألف جنيه، لا يحصل إلا على ٥٠ ألفا من مستحقاته- فالفلاحون لديهم مديونيات على الشركة بنحو ١،٣ مليار جنيه، ولكن هذه ليست مسئولية الشركة وحدها، ولكنها مسئولية وزارة المالية، لأنها تتأخر في صرف الشيكات المستحقة، وخلال العام الماضى والحالى تكدس منتج السكر في مخازن الشركة مما ينذر بكارثة.
ليس هذا فقط.. ولكن يواجه الفلاحون مشاكل في نقل وتوريد القصب، فالشركة لديها طريق «سكك حديدية» خاص بها، حيث يتم جمع المحصول وتعبئته في عربات القطار، ولكن ليست كل الحقول على مقربة من شريط السكك الحديدية، لذا فالحقول التي تبعد عن السكك الحديدية أكثر من ٢ كيلو متر تحصل على «ناولون» مستحقات نقل، ولكن الحقول أقل من ٢ كيلو متر لا تحصل على مستحقات نقل، لذا يضطر أصحابها إلى نقلها عن طريق «كارتات صغيرة تجرها الجرارات أو تجرها الحمير، وأحيانا الجمال»، بحسب رئيس اتحاد الفلاحين.
كما يعانى الفلاحون من الميزان، لأن هناك فروقا في الوزن بين ميزان الشركة -«وهو عبارة ميزان ضخم يدخل فيه اللورى ويتم وزنه، ثم يتم إدخال كارت مطبوع في جهاز كمبيوتر برقم اللورى»، وعن طريقها يخرج وزن السيارة- وميزان بسكول، بسبب وزن اللورى نفسه الذي في أحيان كثيرة لا يعرف الفلاحون وزنه بالضبط، فضلا عن أن خصم نحو ٢٠٠ كيلو من اللورى بحجة وجود بول في القصب «نقص السكر في القصب» أو إذا كان هناك قش القصب بحسب إبراهيم ربيع.
أما ديون بنك التنمية والائتمان الزراعى على الفلاحين، فهى هم بالليل ومذلة بالنهار، فقد بلغت ديون مزارعى القصب نحو مليار و٣٠٠ مليون جنيه، فالبنك يقرض الفلاحين نوعين من القروض، الأول قرض زراعى بفائدة ٧٪، والثانى استثمارى بفائدة ٢٠٪، وهذا مرهق جدا للفلاحين، وكل ما تروجه الحكومة حول إلغاء مديونيات الفلاحين ليس له أساس، ذلك لأن الحكومة تطلب من الفلاحين التسديد الفورى من أجل إلغاء الفوائد فقط، وبطبيعة الحال إذا كانت الشركة عاجزة عن سداد مستحقات الفلاحين، فهم لن يستطيعوا تسديد مديونياتهم.
وطالب إبراهيم عطا الله، مزارع من محافظة قنا، بتحرير منظومة السماد الكيماوى، وإعادة إحياء الدورة الزراعية من أجل القضاء على الفساد الموجود في الجمعيات الزراعية، حيث إنه بحسب ما هو منصوص عليه يحصل فدان القصب على ١٢ شيكارة سماد، ولكن لعدم وجود حصر بزراعات القصب، فهناك الكثيرون الذين يسجلون زراعتهم على أنها قصب ليحصلوا على السماد بسبب شبهة فساد، إما في الجمعية الزراعية أو لعدم وجود حصر، أيضا هناك توصية من وزارة الزراعة بخفض ما يحصل عليه فدان القصب إلى ٦ شيكارات يوريا أو ٨ شيكارات أزوت.
وزارة التموين تهدم الشركة الأولى في صناعة السكر
منذ أن بدأت مصر في صناعة السكر بالعصر الحديث، أنشأت شركة السكر والصناعات التكامليـــة المصرية في ٣ مايو ١٩٥٦ بمقتضى القانون رقم ١٩٦ لسنة ١٩٥٦، وهى شركة مساهمة مصرية تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية خاضعة لأحكام القانون رقم ٢٠٣ لسنة ٩١ كل أنواع السكر المبلور، والمولاس، والعسل الصناعى الكحول بجميع مشتقاته، والخل، وحامض الخليك الثلجى، وخميرة الأعلاف، وغاز ثانى أكسيد الكربون، والفيناس المذيبات العضوية، والمواد اللاصقة، وكبريتات الصوديوم، وخميرة الخبز الطازجة والجافة، والعطور ومستحضرات التجميل والزيوت والعجائن العطرية، ومكسبات الطعم والرائحة، والخشب الصناعى بأنواعه المختلفة، والمعدات الرأسمالية، وقطع غيارها، وأعمال الهندسة للمشروعات وإدارتها، والإشراف على تنفيذ مقاولات إنشاء مصانع السكر والصناعات الأخرى محليًا وعالميًا، والحلوى والبسكويت والطحينة والحلاوة الطحينية، والعجائن الغذائية، والمربات والعصائر، وأعمال الطباعة، وإنتاج مخصبات زراعية، وأسمدة كيماوية، ومخصبات ورقية، وإنتاج علف حيوانى تمتلك ٦ مصانع رئيسية بصعيد مصر في نجع حمادى، ودشنا، وقوص، وإدفو، وأرمنت، وكوم أمبو، يعمل بها ما يقرب من ٢٧ ألف عامل ما بين عمالة رئيسية، وعمال معاونة، وعمالة غير منتظمة، يتم توريدها لمصانع عبر وكلاء، وتنتج الشركة ما بين مليون إلى مليون ونصف المليون طن سنويا من قصب السكر، ويتطلب هذا الإنتاج استخدام ما بين ٢٤٠ – ٢٥٠ ألف فدان من قصب السكر.
وخلال العام الماضى بمقتضى قانون أصدره رئيس الوزراء إبراهيم محلب، تم نقل تبعية الشركة من وزارة الاستثمار إلى وزارة التموين، وعلى هذا تحتكر الأخيرة كل إنتاج الشركة من السكر لتوفير استهلاك المواطنين عبر البطاقات التموينية، إلا أن وزارة التموين منذ تغير نظم التموين، بدءًا من هذا العام، لم تستخدم منتج الشركة من السكر بسبب تنافس السكر المستورد للسكر المحلى، بسبب رخص ثمنه، فيبلغ سعر طن السكر المستورد ٣٨٠٠ جنيه مصرى، بينما يبلغ طن السكر المصرى ٤٢٠٠ جنيه خام، والمفارقة الأكبر في أنه يتم استيراد السكر الخام من الخارج ليتم تكريره في مصانع الشركة قبل طرحه في الأسواق المحلية، بحسب ممدوح البر ديسى، ومجدى عبد الفتاح.
وقال محمد عبد الرحمن، رئيس النقابة العامة لشركات الصناعات التكاملية: إنه منذ انضمام الشركة لوزارة التموين، وهى تعانى من المشاكل بسبب إغراق الأسواق بالسكر المستورد، وصرفه على بطاقات التموين، فعمدت وزارة التموين إلى خفض سعر المستورد عن سعر السكر المحلى بمبلغ ٠،٦٥ قرش، ليصبح سعره ٥،٦٥ قرش، متعللة بأن بورصة السكر العالمى منخفضة، وذلك كله يؤدى لدمار صناعة الكسر المحلى في مصر، وسعر السكر المحلى أغلى بسبب سعر حصول شركة السكر على محصول القصب من المزارعين بسعر أغلى من السعر العالمي، فسعر طن القصب العالمى يوازى نحو ٢٠٠ جنيه، ولكن ذلك بسبب أن مزارع قصب السكر سواء في البرازيل أو الهند تابعة للدولة، ولكن في مصر تابعة لمزارعين، وقد قامت الحكومة بتحميل شركة السكر مبلغ ٣٠٠ جنيه كسعر للطن، مقابل دعم الشركة بمبلغ ١٠٠ جنيه، فارق سعر تدفعه الدولة للفلاح في الطن، ليصبح سعر الطن ٣٦٥ جنيها.
كما أن تكدس منتج السكر في مخازن الشركة تسبب في عدم حصول العاملين على حقوقهم، فالطاقة الاستيعابية لمخازن الشركة أقل من مليون طن، والشركة تنتج سنويا ما جملته مليون و١٠٠ ألف طن، حيث تحصل الشركة على ٩: ١٠ ملايين طن قصب من المزارعين، وهذه الصناعة مهددة بالانهيار، مما يعنى تشريد أكثر من ٢٧ ألف عامل، ومليون و٢٠٠ ألف فلاح، يعتمدون على زراعة قصب السكر، والذي يزيد من الأمر تعقيدا هو أن هذا العدد الكبير من المواطنين يعيشون بالأساس بصعيد مصر الذي يعانى من الفقر المدقع، مما يجعلهم قنبلة موقوتة من العنف المجتمعى نتيجة انضمامهم إلى صفوف البطالة.
وعن سبب تكدس السكر في المخازن يقول عبد الرحمن: كان هناك اعتراض من قبل شركات النقل بسبب تعرضها للسرقة، ومطالبتها الشركة بتأمين هذه الطرق حتى تستطيع نقل منتجات السكر من الصعيد لمحافظات الوجه البحري، فقد تعرضت أكثر من سيارة للسرقة والنهب بسبب وجود قطاع طرق، خاصة في ضوء الانفلات الأمنى الذي يعم البلاد، وأيضا بسبب وجود ثأر بين عدد من العائلات، مما يدفع بالبعض منها لسرقة محصول الشركة وضياع الأموال على الفلاحين، وهذا يسبب كارثة، نظرا لعدم قدرة مخازن الشركة على تحمل هذا الكم من الإنتاج، وضعف تأمين تلك المخازن، خاصة أنها مخازن مكشوفة لا سقف لها، وذلك يؤدى لتعرض المنتج للأمطار، والحرائق بسبب أن السكر سريع الاشتعال، مما يؤدى لخسارة الشركة ١٠ مليارات جنيه.
ويحذر العمال من انهيار الشركة، فمع بداية الموسم الجديد أجبرت الشركة على السحب من البنوك على المكشوف لسدد جزء من مستحقات الفلاحين، الأمر الذي يهدد الشركة بالانهيار إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ويؤكد عبد الرحمن أنه يجب أن تتبنى الدولة سياسة حماية المنتج الوطنى، لأنه صناعة وطنية قائمة على العمالة المصرية في الصعيد الذي يعانى من عدم توافر فرص العمل، أيضا سعر البورصة العالمية للسكر غير متوقع، فإذا كان هذه الأيام منخفض فمن يضمن ألا يرتفع غدا؟.. كما أن تاريخ إنشاء هذه الشركة يرجع لتاريخ بدء إنشاء قناة السويس، فهى صناعة عريقة ولها تاريخ طويل وقابلة للتطوير، فقط هي تحتاج الدولة من أجل التطوير وتحسين إنتاجها، وطالب رئيس النقابة العامة، بوقف استيراد السكر المستورد، وتشديد الرقابة على المواصفات على السكر المستورد، ذلك بسبب وجود عبوات يقل وزنها عن الكيلو الجرام الواحد، وهذا غش ويسبب خسارة للشركة، ولا وجود للفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ولكنها فجوة وهمية اختلقتها شركات الاستيراد من أجل ضمان مكاسبها. بصوت منكسر، وعيون ذبلت من فرط الألم، يشتكى ممدوح البرديسى، عامل في مصنع نجع حمادى، من عدم قدرة مصنع نجع حمادى على دفع رواتب العاملين، ذلك لأنه لم يستطع أن يبيع أي «شيكارة» سكر من إنتاج هذا العام، بسبب ضم الشركة لوزارة التموين، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه دون مراعاة للصناعات المحلية، فالمخازن مُلئت عن آخرها، حتى أن المخازن لم تعد قادرة على استيعاب الإنتاج.
كل هذا ولا يزال الألم حاكما.. ومستقبل صناعة السكر غامضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق